قواعد في الأدلة الشرعية | الامام القرطبي

السلام عليكم أحبائي الكرام في هذه التدوينة تعريف قواعد الأدلة الشرعية تنتمي لسلسلة مواضيع ضمن قواعد التفسير والتدبر والاستنباط من خلال الجامع الأحكام القران للقرطبي، تتضمن قواعد في الأدلة الشرعية وتطبيقاته.

تعريف الأدلة الشرعية، قواعد في الأدلة الشرعية وتطبيقاته

قواعد في الأدلة الشرعية



المطلب الأول: تعريف الأدلة الشرعية

أ – الدليل في اللغة:

هو المرشد والهادي وما به الإرشاد.


ب – الدليل في الاصطلاح

الدليل هو الذي يلزم من العلم به العلم بالشيء أخر. وحقيقة الدليل هو ثبوت الأوسط للأصغر، وندرا الأصغر تحت الأوسط.


ج – الدلالة:

هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء أخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول، وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النص. وإشارة النص. ودلالة النص. واقتضاء النص، ووجه ضبطه أن الحكم المستفاد من النظم إما أن يكون ثابتا بنفس النظم1.


د – الأدلة الشرعية

الدليل الشرعي: كل ما يستفاد منه حكم شرعي عملي سواء بطريقة القطع، أي العلم واليقين أم بطريقة الظن أي غلبة الظن، لذا كان الدليل نوعين قطعي الدلالة وظني الدلالة.

والأدلة نوعان: أدلة متفق عليها بين الجمهور العلماء وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

وأدلة مختلف فيها وأشهرها سبعة: هي الاستحسان، والمصلحة المرسلة أو الاستصلاح والاستصحاب، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا وسد الذرائع.


المطلب الثاني: قواعد في الأدلة الشرعية وتطبيقاتها.

أ – قاعدة: القران الكريم هو مصدر الأساسي للتشريع.

توضيح القاعدة

تعريف القران: القران في اللغة مصدر بمعنى القراءة.

وتعريفه عند الأصوليين لتميزه عن غيره على الرغم من شهرته ومعرفته، وتسميته بأسماء كثيرة كالكتاب والمصحف والتنزيل والفرقان والذكر. هو كلام الله تعالى المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم باللسان العربي، الإعجاز بأقصر سورة منه، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر المتعدد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس2.


تطبيق القاعدة

ومن الأمر البين أن القران أفصح كلام لما ورد فيه فلا معترض عليه ولا يشك في صحته وفصاحته، وقد قال الله تعالى " وإن عزموا الطلاق"{البقرة: 237}. وقال هنا "ولا تعزموا عقدة النكاح" والمعنى لا تعزموا على عقدة النكاح في زمان العدة ثم حذف على ما تقدم. وقوله تعالى "حتى يبلغ الكتب أجله" يريد تمام العدة. والكتاب هنا هو الحد الذي جعل، والقدر الذي رسم من المدة سماه كتابا، إذ قد حده وفرضه كتاب الله كما قال "كتب الله عليكم"{سورة النساء الآية: 24} فالكتاب على هذا التأويل بمعنى القران، وعلى الأول لا حذف فهو أولى. والله أعلم.


ب – قاعدة: تعريف القران بالأحكام أكثره كلي.

تطبيق القاعدة

لما أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة بحال قنوت وهو الوقار والسكينة وهدوء الجوارح، وهذا على الحالة الغالبة من الأمن والطمأنينة ذكر حالة الخوف الطارئة أحيانا، وبين أن هذه العبادة لا تسقط عن العبد في حال ورخص لعبده في الصلاة رجالا على الأقدام، وركبا على الخيل والإبل ونحوها إيماء وإشارة بالرأس حيثما توجه، هذا قول جميع العلماء وهذه هي صلاة الفذ الذي قد ضايقه الخوف على

نفسه في حال المسايفة، أو من سبع يطلبه، أو من عدو يتبعه، أو سبيل يحمله وبالجملة فكل أمر يخاف منه على روحه فهو مبيح ما تضمنته.


ج – قاعدة حجية السنة ثابتة.

توضيح القاعدة

السنة لغة: فهي الطريقة المسلوكة، وأصلها من قولهم سننت الشيء بالمسن 1 إذا أمرته عليه حتى يؤثر فيه سنا أي: طريق وقال والكسائي معناها الدوامة من قولهم، سننت الماء إذا واليت في صبه.ومعناه شرعا: أي في الاصطلاح أهل الشرع فهي: قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، وتطلق بالمعنى العام على الواجب وغيره في حرف أهل اللغة والحديث وأما في عرف أهل الفقه فإنما يطلقونها على ما ليس بواجب3.


تطبيق القاعدة

قوله تعالى "يتربصن"فبينت السنة جميع ذلك، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد وهو الامتناع من الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه، وهذا قول جمهور العلماء، وقال الحسن بن أبي الحسن، ليس الإحداد بشيء، إنما تتربص عن الزوج، ولها أن تتزين وتتطيب، وهذا ضعيف لأنه خلاف السنة على ما نبينه إن ساء الله تعالى.


د – قاعدة: السنة الصحيحة أولى من الإجماع

تطبيق القاعدة

أما السنة فثابتة بحمد الله، وأما الاجماع فمستغنى عنه بالسنة لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة، وبالله التوفيق، وروي عن علي وابن عباس وجابر وعائشة مثل قول داود، وبه. قال جابر بن زيد وعطاء والحسن البصري.


ه – قاعدة: يجب العمل بحمل ما رواه الصحابي على أحد محمليه

تطبيق القاعدة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس قاعدا وأبو بكر قائما، قال أبو حاتم: وأما إجمال هذا الخبر، فإن عائشة حكت هذه الصلاة. إلى هذا الموضع وأخر القصة عند جابر بن عبد الله إذ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقعود أيضا في هذه الصلاة، كما أمرهم به عند سقوطه عن فرسه.

قال أبو حاتم: فقي هذا الخبر المفسر بيان واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قعد عن يسار أبي بكر. وتحول أبو بكر مأموما يقتدي بصلاته ويكبر، يسمع الناس التكبير ليقتدوا بصلاته، أمرهم صلى الله عليه وسلم حينئذ بالقعود حين رأهم قياما، ولما فزع صلاته أمرهم أيضا بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدا.


و- قاعدة الجماع حجة شرعية

توضيح القاعدة

الاجماع: في اللغة: العزم على الشيء: يقال: أجمع فلان على الأمر أي عزم عليه، ومنه قوله تعالى "فأجمعوا أمركم وشركاءكم" {سورة يونس الآية 71} أي أعزموا، وإما الاتفاق. يقال: أجمع القوم على كذا، أي اتفقوا عليه.

والإجماع في الاصطلاح: اتفاق المجتهدين في أمة محمد عليه الصلاة والسلام –في عصر على أمر ديني.

والإجماع: العزم التام على أمر من جماعة أهل الحل والعقد4.


تطبيق القاعدة

وأجمع العلماء على أن المرء نفقة ولده الأطفال الذين لأمال لهم وقال صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة وقد قالت له إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك جناح؟ فقال "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" والكسوة: اللباس. وقوله "بالمعروف". أي: بالمتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط.

وقد اجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له ولد طفل ومولد مال والأب موسر أنه لا يجب على الأب نفقة ولإرضاع، وأن ذلك من مال الصبي فإن قيل: قد قال الله عز وجل"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف".

قيل: هذا الضمير للمؤنث، ومع هذا فإن الاجماع حد الآية مبين لها، لا يسع مسلما الخروج عنه.


ز – قاعدة: مخالفة الاجماع محرم.

تطبيق القاعدة

 عدة الحامل المتوفى عنها زوجها وضع حملها عند جمهور العلماء، وروي عن علي بن أبي طالب وأين عباس أن تمام عدتها أخر الآجلين، واختاره سحنون من علمائنا، وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن هذا وعلى هذا جمهور العلماء وأئمة الفقهاء.

وقال الحسن والشعبي والنفعي وحماد: لا تنكح النفساء ما دامت في دم نفاسها، فاشترطوا شرطين: وضع الحمل، والظهر من دم النفاس والحديث حجة عليهم ولا حجة لهم في قوله: "فلما نعلت من نفاسها نعلت للخطاب" كما صحيح مسلم وأبي داود 5. لأن "نعلت" وإن كان أصله طهرت من دم نفاسها على ما قاله الخليل – فيحتمل أن يكون المراد به ها هنا تعللت من الأم نفاسها. أي استقلت من أو جاءها، ولو سلم أن معناه ما قال الخليل فلا حجة فيه، وإنما الحجة في قوله عليه السلام لسبيعة"قد حللت حين وضعت" فأوقع الحل في حين الوضع وعلقه عليه ولم يقل إذا انقطع دمك ولا: إذا ظهرت، فصح ما قاله الجمهور.


ل – قاعدة: لا يعتبر إجماع الأكثرية مع مخالفة الأقل

تطبيق القاعدة

وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لما غير المتعة. قال الزهري: يقضي بها.

قال القرطبي: هذا الإجماع إنما هو الحرة، فأما الأمة إذا طلقت قبل الفرض والمسيس، فالجمهور على أن لها المتعة، وقال الأوزاعي والثوري: لا متعة لها. لأنها تكون ليست لسيدها، وهو لا يستحق ما لا في مقابلة تأذي مملوكته بالطلاق،

وأما ربط مذهب مالك فقال ابن شعبان: المتعة بإزاء غم الطلاق، ولذلك ليس للمختلعة والمبارئة والملاعنة متعة قبل البناء ولا بعده، لأنها هي التي اختارت الطلاق، وقال الترمذي وعاء والنفعي: للمختلعة متعة. وقال أصحاب الرأي: للملاعنة متعة. قال ابن القاسم: ولا متعة في نكاح مفسوخ، قال ابن ألمواز، ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد، مثل ملك أحد الزوجين صاحبه. قال ابن القاسم: وأصل ذلك قوله تعالى: "وللمطلقات متاع بالمعروف" فكان هذا الحكم مختصا بالطلاق دون الفسخ.


ح – لا قياس مع وجود النص.

توضيح القاعدة

القياس: في اللغة عبارة عن القرير، يقال: قست النعل بالنعل، إذا قدرته وسوينه ، وهو عبارة عن ره الشيء إلى نظيره، وفي الشريعة عبارة عن المعنى المستنبط من النص. لتعديه الحكم من المنصوص عليه إلى غيره وهو الجمع بين الأصل والفرع. في الحكم 6.

وفي اصطلاح الأصوليين:هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمة الشرعي بأمر منصوص على حكمة، لاشتراكهما في علة الحكم. والإلحاق: هو الكشف والإظهار للحكم وليس الإثبات والإنشاء، لأن الحكم ثابت شرعا من الأصل، وإنما تأخر ظهوره إلى وقت بيان المجتهد بواسطة العلة. فالقياس مظهر للحكم لا منشئ والعلم أساس الحكم. وعمل المجتهد إظهار وجود الحكم في الفرع كوجوده في الأصل لاتحاد علة الحكم فيها.


تطبيق القاعدة

قال القرطبي: اختلف في تثبيت حديث بروع، فقال القاضي أبو القاضي أبو محمد عبد الوهاب في "شرح رسالة ابن أبي زيد" وأما حديث بروع بنت واشق فقد رده حفاظ الحديث وأزمة أهل العلم وقع هذا الحديث بالمدينة فلم يقبله أحد من العلماء وصححه الترمذي. كما ذكرنا عنه وابن المنذر قال ابن المنذر. وقد تبت مثل قول عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نقول. وذكر أنه قول أبي ثور وأصحاب الرأي.

وذكر عن الزهري والاوزاعي ومالك والشافعي مثل قول علي وزيد وابن عباس وابن عمر. وفي المسألة قول ثالث، وهو أنه لا يكون ميراث حتى يكون مهر، قاله مسروق.

وقال القرطبي: ومن الحجة لما ذهب إليه مالك أنه فراق في نكاح قبل الفرض، فلم يجب فيه صداق، أصله الطلاق، لكن إذا صح الحديث فالقياس في مقابلته فاسد، وقد حكى أبو محمد عبد الحميد، عن المذهب ما يوافق الحديث والحمد لله.


ي – قاعدة: سد الذرائع حماية لحرمات الله تعالى

توضيح القاعدة

الذريعة في اللغة: هي الوسيلة التي يتوسل بها إلى الشيء.

وسد الذريعة عند الأصوليين: هو منع كل ما يتوصل به إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة أو مضرة فتكون وسيلة المحرم محرمة، كما أن وسيلة الواجب واجبة، فالفاحشة حرام والنظر إلى عورة الأجنبية حرام لأدائها إلى الفاحشة. كما أن الحج فرض والسعي إلى البيت الحرام وأماكن المناسك فرض لأجله. لأن الشارع إذا كلف العباد أمر، فكل ما يتعين وسيلة له مطلوب بطلبه، وإذا نهى الناس عن أمر. فكل ما يؤدي إلى الوقوع فيه حرام أيضا7.


تطبيق القاعدة

يتضح مثال هذه القاعدة في ما رواه البخاري ومسلم عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار"8.

وفي حديث أم حبيبة: لا يحل لا مرآة  تؤمن بالله واليوم الأخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا الحديث.

الإحداد: ترك المرأة الزينة كلها من اللباس والطيب والحلي والكحل والخطاب بالحناء ما دامت في عدنها، لأن الزينة واعية إلى الأزواج فنهيت عن ذلك قطعا للذرائع، وحماية لحرمات الله تعالى أن تنتهك، وليس دهن المرأة رأسها بالزيت والشيراج من الطيب في شيء. يقال امرأة حاد ومحد. قال الأصمعي. ولم نعرف "حدث" وفاعل لا يحل المصدر الذي يمكن صياغته من تحد مع أن المرادة فكأنه قال: الإحداد.





1 الكتاب: كتاب التعريفات المؤلف علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني المنوفي 816 هجرية عدد الأجزاء 1 الصفحة 104.
2 الكتاب: الإحكام في أصول الأحكام للمؤلف. أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي ألأمدي المتوفى 631 هجرية. المحقق عبد الرزاق عفيفي الناشر المكتبة الإسلامية، بيروت – دمشق، لبنان. عدد الأجزاء 1 الصفحة 82.
3 الكتاب سؤلات حمزة بن يوسف السهمي للإمام أبي الحسن الدار قطني للمؤلف: حمزة بن يوسف السهمي المتوفى 428 هجرية. المحقق أبو عمر بن علي الأزهري. الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر – القاهرة، الطبعة الأولى 1427 هجرية – 2006 ميلادية. الجزء 1 الصفحة 100.
4 الكتاب التعريفات للمؤلف علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني المتوفى 816 هجرية. الجزء 1 الصفحة 10.
5 سنن أبي داود باب في عدة الحامل الجزء 2 الصفحة 293 رقم الحديث 2306.
6 الكتاب: كتاب التعريفات للمؤلف علي بن محمد بن علي الزيت الشريف الجرجاني المتوفى 816 هجرية الجزء 1 صفحة 181.
7 الكتاب: أساس البلاغة للمؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري توفي 598 هجرية. تحقيق: محمد باسل عيون السود. الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان الطبعة 1419 هجرية – 1998 ميلادية. عدد الأجزاء 2 صفحة 311.
8 صحيح مسلم 8 – باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها الجزء 2 الصفحة 1127 رقم الحديث 66.

في أماني الله

Post a Comment

أحدث أقدم