قواعد في طرق التفسير


قواعد في طرق التفسير

قواعد في طرق التفسير

المطلب الأول: تعريف طريقة التفسير

أ – التفسير لغة:

فسر الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدل على بيان شيء وإيضاحه، من ذلك الفسر، يقال فسرت الشيء وفسرته، والفسر والتفسرة: نظر الطبيب إلى الماء وحكمة فيه، والله أعلم بالصواب1.

ب – اصطلاحا:

التفسير: في الأصل هو الكشف والـظهار، وفي الشرع: توضيح معنى الآية، وشأنها، وقصتها، والسبب الذي نزلت فيه، يلفظ يدل عليه دلالة ظاهرة2.

ج – طريقة التفسير:

طريقة التفسير هي الطرق والمناهج التي تتبع للوصول إلى معاني التنزيل. وذلك من خلال تفسير القران بالقران أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين، أو تفسيره بلاغة العرب أو الرأي، وما يدخل تحت هذه الأمور من قواعد تضبطها.

المطلب الثاني: قواعد في طرق التفسير وتطبيقاتها

أ – قاعدة: إذا عرف التفسير من جهة النبي صلى الله عليه وسلم – فلا حاجة إلى قول من بعده:

توضيح القاعدة

لما كان النبي صلى الله عليه وسلم مؤيدا بالوحي ومعصوما في أمور التبليغ كان لبيانه صلى الله عليه
وسلم مزية على غيره، إذ هو صواب لا يتطرق إليه الغلط. ثم إن له من الوضوح والسهولة ما ليس لغيره، فوجب تقديمه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله. ومما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القران والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه سلم لم تحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك، بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك3.

تطبيق القاعدة

وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: الرضاع الحولين والشهرين بعد الحولين وحكى عنه الوليد بن مسلم أنه قال: ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين، وما كان بعد ذاك فهو عين.
وحكى عن النعمان أنه قال: وما كان بعد الحولين إلى أشهر فهو رضاع والصحيح الأول لقوله تعالى "والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين" وهذا يدل على أن لا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين، وروى سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الإرضاع إلا ما كان في الحولين".
قال الدار قطني: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو تقه حافظا، قلت: وهذا الخبر مع الآية والمعنى، ينفي رضاعة للكبير، وأنه لا حرمة له، وقد روي عن عائشة القول به، وبه  يقول الليث بن سعد من بين العلماء. وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع الكبير. وروي عنه الرجوع عنه وسيأتي في سورة النساء مبينا إن شاء الله تعالى.

ب – قاعدة ألفاظ الشارع محمولة على المعاني الشرعية، فإن لم تكن فالعرفية، فإن تكن فاللغوية.

توضيح القاعدة

من القواعد المقررة عند أهل العلم أن كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه وقاعدتنا تلك متفرعة. عن هذه القاعدة، هذا وقد ذكرناه في الماضي قاعدة لها تعلق وارتباط بهده القاعدة وهي أن بيانا لشارع لألفاظه وتفسيره لها. مقدم على أي بيان4.
والمراد بالمعاني الشرعية أو الحقائق الشرعية هنا أن الشارع يستعمل بعض الألفاظ استعمالا خاصا.
فيوردها مفيدة، فتدل على معنى معين يريده الشارع.
فهي إذن ما عرفت فيه التسمية الخاصة من قبل الشرع5.

تطبيق القاعدة

يمثل تطبيق هذه القاعدة في قوله تعالى: " إذا سلمتم" يعني الآباء أي: سلمتم الأجرة إلى المرضعة الظئر، قاله سفيان، مجاهد سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاء، وقرأ الستة من السبعة "ما أتيتم" بمعنى ما أعطيتم، وقرأ ابن كثير "أتيتم" بمعنى ما جئتم وفعلتم، كما قال زهير وما كان من خير أتوه فإنما توارثه أباء أباءهم قبل.
وقال قتادة والزهري: لمعنى سلمتم ما أتيتم من إرادة الاسترضاء. أي سلم كل واحد من الابوين ورضى وكان ذلك على اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر،
قال أبو علي: المعنى إذا سلمتم ما أتيتم نقده أو إعطاءه، فحذف المضاف وأقيم الضمير مقامه، فكان التقدير: ما أتيتموه، ثم حذف الضمير من الصلة وعلى هذا التأويل فالخطاب للرجل لأنهم الذين يعطون أجر الرضاع.
قال أبو علي: ويحتمل أن تكون "ما" مصدرية أي: إذا سلمتم الإتيان، والمعنى كالأول، لكن يستغنى عن الصلة، من حذف المضاف، ثم حذف الضمير.

ج – قاعدة تفسير القران بأقوال الصحابة

توضيح القاعدة

"تعريف الصحابي" فإن قيل: أتبتم العدالة للصحابي مطلقا فمن الصحابي؟ قلنا: اختلفوا فيه فذهب الأكثرون إلى أنه من اجتمع– مؤمنا – بمحمد صلى الله عليه وسلم – وصحبه ولو ساعة، روى عنه أو لا، لان اللغة تقتضي ذلك، وإن كان العرف يقتضي طول الصحبة وكثرتها، وقيل يشترط الرواية، وطول الصحبة، وقيل يشترط أحدهما،
وقال ابن السمعاني: هو من حيث اللغة والظاهر من طالت صحبته مع النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له، وينبغي أن يطيل المكث معه. على طريق التبع له، والأخذ عنه، ولهذا يوصف من أطال مجالسة أهل العلم بأنه من أصحابه ثم قال: هذه طريقة الأصوليين: أما عند أصحاب الحديث، فيطلقون إسم الصحابة على كل من روى عنه حديث أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رأه رؤية مامن الصحابة وهذا للشرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، أعطوا كل من رآه حكم الصحابة لأنه قال: "طوبي لمن رأى، ومن رأى من رآني" والأول الصحابة والتاني التابعون، وقال ابن فورك: هو من أكثر مجالسته، واختص به ولذلك لم يعد الوافدون من الصحابة، وقد يقال: فلان من الصحابة بمعنى أنه لقيه وروى عنه وإن لم تطل صحبته ولم يختص به، إلا أن ذلك بتقييد، والأول بإطلاق6.

تطبيق القاعدة

يتضح المثال التالي ما ذكره عبد الرزاق قال: حدتنا معمر، عن الزهري، عن عروة. قال خرجت عائشة بأختها أم كلثوم –حين قتل عنها زوجها طلحة بن عبيد الله – إلى مكة في عمرة، وكانت تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها،
قال: وحدثنا معمر، عن الزهري قال: أخد المرتخصون في المتوفى عنها زوجها بقول عائشة. وأخذ أهل الودع والعزم بقول ابن عمر، وفي الموطأ: أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج، وهذا من عمر رضي الله عند اجتهاد، لأنه كان يرى اعتداء المرأة في منزل زوجها المتوفى عنها لازما لها، وهو مقتضى القران والسنة، فلا يجوز لها أن تخرج في حج ولا عمرة حتى تنقضي عدتها وقال مالك: ترد مالم تعدم.

د – قاعدة: تفسير القران بالسنة.

توضيح القاعدة

أولا: تعريف السنة في اللغة: الطريقة، سواء أكانت حسنة أم سيئة، ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" 7.
ثانيا: تعريف السنة في الاصطلاح: ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم غير القران من قول أو فعل أو تقرير. هذا تعريفها عند الأصوليين.
وعند المحدثين: زيادة الوصف، إذ يقولون السنة: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف. ويريدون بالوصف ما ورد عن الصحابة من وصف الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان وصف خلقيا أو خلقيا، والأصوليون لم يدخلوا هذا النوع في السنة، لأنهم يتكلمون عن السنة التي هي دليل يستدل به ويتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ولا شك أن صفات الرسول التي ليست من فعله لا يمكن أن تكون دليلا على الوجوب أو الاستحباب، إذ لا يتعلق بها حكم 8.

تطبيق القاعدة

من خلال قوله تعالى "يتربصن" التربص التأني التصبر عن النكاح، وترك الخروج عن مسكن النكاح وذلك بألا تفارقه ليلا، ولم يذكر الله تعالى السكنى المتوفى عنها في كتابه كما ذكرها للمطلقة بقوله تعالى "أسكنوهن"، وليس في لفظ العدة في كتاب الله تعالى ما يدل على الإحداد، وإنما قال "يتربصن" فبينت السنة جميع ذلك، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد، وهو الامتناع من الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه وهذا قول جمهور العلماء، وقال الحسن بن أبي الحسن، ليس الإحداد بشيء إنما تتربص عن الزوج ولها أن
تتزين وتتطيب، وهذا ضعيف، لأنه خلاف السنة على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
وتبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفريعة بنت مالك بن سنان وكانت متوفى عنها "إمكتي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. وهذا حديث ثابت أخرجه مالك، قال أبو عمر: أما السنة فثابتة بحمد الله، وأما الاجماع فمستغنى عنه بالسنة لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة وبالله التوفيق.

ه – قاعدة فهم السلف للقران حجة يحتكم إليه لا عليه

توضيح القاعدة


فهم السلف للقران حجة يحتكم إليه لا عليه ولذا فإن ورد تفسير من تفاسيرهم مبني على فهمهم لغتهم بكون حجة يرجع إليها، وقد أعرب أبو حيان في تفسير قوله تعالى "ولقد همت به وهم بها لولا أن وأي برهان ربه" {سورة يوسف الآية 24} حيت قال والذي روي من السلف لا يساعد عليه كلام العرب: لأنهم قدروا جواب (لولا) محذوفا، ولا يدل عليه دليل لأنهم لم يقدروا ل(هم بها) ولا يدل كلام  العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط: لأن ما قبل الشرط دليل عليه ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه 9.

تطبيق القاعدة

يتجلى هذا المثال في قوله تعالى "وعشرا"روى وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أنه سئل لم ضمت العشر إلى الأربعة الأشهر؟ قال: لأن الروح تنفخ فيها وسيأتي في الحج بيان هذا، وقال الاصمعي: ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مرفض، وقال غيره: أركضت فهي مركضه وأنشد ومركضه صريحي أبوها تهان لها الغلامة والغلام. وقال المبرد: إنما أنت العشر، لأن المرد به المدة والمعنى وعشر مدة كل مدة من يوم وليلة. فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر، وقيل لم يقل عشرة: تغليبا لحكم الليالي،إذ الليلة أسبق من اليوم، والأيام في ضمنها "وعشر" أخف من اللفظ فتغلب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ لأن ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال. فلما كان أول الشهر الليلة غلب الليلة.

و – قاعدة تفسير القران بالقران

توضيح القاعدة

تعريف القران الكريم. هو كلام الله المعجز المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي المنقول إلينا بالتواتر.
قال تعالى مخبرا في كتابه العظيم: "وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين" {سورة الشعراء الآية 192 – 195} وقال تعالى " الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد" {سورة إبراهيم الآية 1}.
وقال تعالى أيضا "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين" {سورة يونس الآية: 57}.
ومن خلال ما سبق يمكن أن أذكر تعريف أو قل توصيف القران الكريم ما قول هو: كلام الله تعالى المعجز، الموحى به إلى محمد صلى الله غليه وسلم، لينذر به لخلق أجمعين ويدعوهم إلى توحيد رب العالمين، والمكتوب بين دفتي المصحف، والمنقول إلينا بالتواتر، والمتعبد بتلاوته، والمحفوظ إلى أخر الدهر، والمشتمل على خيري الدنيا والاخرة10.

تطبيق القاعدة

قوله تعالى "ولا تعزموا" قد يقدم القول في معنى العزم، يقال عزم الشيء وعزم عليه، والمعنى هنا: ولا تعزموا على عقدة النكاح ومن الآمر البين أن القران أفصح كلام، فما ورد فيه فلا معترض عليه، ولا يشك في صحته وفصاحته وقد قال الله تعالى "وإن عزموا الطلاق" {سورة البقرة الآية 227}وقال هنا: "ولا تعزموا عقدة النكاح" والمعنى لا تعزموا على عقدة النكاح في زمان العدة ثم حذف على ما تقدم، وحكى سيبويه: ضرب فلان الظهر والبطن، أي على قال سيبويه والحذف في هذه الأشياء لا يقاس عليه، قال النحاس ويجوز أن يكون "ولا تعقدوا عقدة النكاح" لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد، ويقال "تعزموا" بضم الزاي.

تتمة الموضوع إضغط هنا قواعد التدبر في الاستنباطات الاعتقادية والأخلاقية



1 الكتاب معجم مقاييس اللغة للمؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القز ويني، الرازي، أبو الحسين (المتوفى 395 هجرية) المحقق عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفكر عام النشر 1399 هجرية – 1979 ميلادية عدد الأجزاء الصفحة 504.
2 الكتاب: كتاب التعريفات للمؤلف علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني المتوفى 816 هجرية. المحقق ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر. الناشر: دار الكتب العلمية بيروت – لبنان الطبعة الأولى 1403 هجرية 1983 ميلادية. عدد الأجزاء: 1 الصفحة 63.
3أنظر الإيمان الكبير لابن تيمية 271، والفتاوى الجزء 7. 268 / 27 الفرقان بين الحق والباطل: 51 فتح البيان الجزء 1 صفحة 14 طريق الوصول لسعدي: صفحة 20 / 127، فصول في أصول التفسير 88.
4 الكتاب: المستصفى للمؤلف أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي المتوفى 505 هجرية. تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي. الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1413 هجرية / 1993 ميلادية. عدد الأجزاء 1 الصفحة 307.
5أنظر المذكرة في أصول الفقه الصفحة 174.
6 الكتاب: البحر المحيط في أصول الفقه للمؤلف أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي المتوفى 794 هجرية.
الناشر: دار ألكتبي الطبعة الأولى 1414 هجرية / 1994 ميلادية عدد الأجزاء 8 الصفحة 191.
7 صحيح مسلم: 20 – باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو الجزء 2 الصفحة 704 رقم الحديث1017.
8 الكتاب: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله للمؤلف عياض بن نامي بن عوض السامي. الناشر دار التدمرية، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1426 هجرية / 2005 ميلادية. الأجزاء 1 الصفحة 103.
9 الكتاب: فصول في أصول التفسير للمؤلف الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار. تقديمه محمد بن صالح الفوزان. الناشر دار ابن لجوزي. الطبعة الثانية 1423 هجرية. عدد الجزاء 1 الصفحة 64.
10 الكتاب الدعوة إلى التمسك بالقران الكريم وأثره في حياة المسلم للمؤلف د عبد الرحيم بن محمد المغذوي. عدد الأجزاء 1 الصفحة 12.

1 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم